فصل: البلاغة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ} عطف على الجملة السابقة و{الذي} مفعول {نرينك} الثاني وجملة {وعدناهم} صلة وإن واسمها وخبرها.
{فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ} الفاء الفصيحة أي إن علمت هذا وتأكدت منه فاستمسك، واستمسك فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت و{بالذي} متعلقان باستمسك وجملة {أوحي إليك} صلة.
{إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} الجملة لا محل لها من الإعراب لأنها تعليل للأمر وإن واسمها وعلى صراط خبرها و{مستقيم} صفة.
{وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ} الواو عاطفة وإن واسمها واللام المزحلقة وذكر خبر إن و{لك} متعلقان بذكر أو صفة له و{لقومك} عطف على {لك} والواو عاطفة و{سوف} حرف تسويف و{تسألون} فعل مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل.
{وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا} الواو عاطفة و{اسأل} فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت و{من} مفعول به وجملة {أرسلنا} صلة الموصول و{من قبلك} متعلقان بأرسلنا و{من رسلنا} حال وسيأتي بحث المجاز في هذا السؤال في باب البلاغة.
{أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} الجملة سدّت مسدّ مفعولي {اسأل} المعلقة عن العمل بالاستفهام والهمزة للاستفهام وجعلنا فعل وفاعل و{من دون الرحمن} مفعول جعلنا الثاني و{آلهة} مفعول جعلنا الأول وجملة {يعبدون} صفة لآلهة و{يعبدون} فعل مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل.

.البلاغة:

المجاز في مساءلة الشعراء للديار والرسوم: في قوله: {واسأل من أرسلنا من قبلك} مجاز مرسل فقد أوقع السؤال على الرسل مع أن المراد أممهم لعلاقة الهداية المفضية بهم إلى معرفة اليقين ويكثر في العربية السؤال الواقع مجازا حيث لا يصحّ السؤال على الحقيقة ومنه مساءلة الشعر الديار والرسوم والأطلال على حدّ قول عنترة:
هلّا سألت الخيل يا ابنة مالك ** إن كنت جاهلة بما لم تعلمي

وقيل هو على حذف مضاف فيكون مجازا بالحذف أي واسأل أمم من أرسلنا من قبلك وهلّا سألت راكبي الخيل، ويشهد لهذا التأويل وإرادة سؤال الأمم قوله تعالى: {فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك}.

.[سورة الزخرف: الآيات 46- 56]:

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَقال إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (46) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ (47) وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (48) وَقالوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ (49) فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (50) وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قال يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ (52) فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمًا فاسِقِينَ (54) فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْناهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ (56)}.

.الإعراب:

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ} كلام مستأنف مسوق لبيان شبهة أوردها فرعون على موسى كما أوردت قريش شبهة الفقر على محمد صلى الله عليه وسلم. واللام جواب للقسم المحذوف وقد حرف تحقيق و{أرسلنا} فعل وفاعل و{موسى} مفعول به و{بآياتنا} حال فالباء للملابسة و{إلى فرعون} متعلقان بأرسلنا {وملئه} عطف على {فرعون}.
{فَقال إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ} الفاء حرف عطف و{إني} إن واسمها و{رسول رب العالمين} خبرها وجملة إن وما بعدها مقول القول.
{فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ} الفاء عاطفة على مقدر أي فطلبوا منه الآيات الدالّة على صدقه، ولما ظرفية حينية أو رابطة و{جاءهم} فعل وفاعل مستتر ومفعول به و{بآياتنا} متعلقان بجاءهم و{إذا} فجائية ولك أن تجعلها ظرفا معمولا لفعل المفاجأة الذي هو جواب لما ولك أن تجعلها حرفا، وفيما يلي نص عبارة أبي حيان بهذا الصدد قال: قال الزمخشري: فإن قلت كيف جاز أن تجاب لما بإذا الفجائية؟ قلت: لأن فعل المفاجأة معها مقدّر وهو عامل النصب في محلها كأنه قيل: فلما جاءهم بآياتنا فاجئوا وقد ضحكهم انتهى. ولا نعلم نحويا ذهب إلى ما ذهب إليه هذا الرجل من أن إذا الفجائية تكون منصوبة بفعل مقدّر تقديره فاجأ بل المذاهب فيها ثلاثة مذاهب: أما إنها حرف فلا تحتاج إلى عامل أو ظرف مكان أو ظرف زمان فإن ذكر بعد الاسم الواقع بعدها خبر كانت منصوبة على الظرف والعامل فيها ذلك الخبر نحو خرجت فإذا زيد قائم تقديره وخرجت ففي المكان الذي خرجت فيه زيد قائم أو ففي الوقت الذي خرجت فيه زيد قائم وإن لم يذكر بعد الاسم أو ذكر اسم منصوب على الحال كانت إذا خبر للمبتدأ فإن كان الاسم جثة وقلنا إنها ظرف مكان كان الأمر واضحا نحو خرجت فإذا الأسد أي ففي الحضرة الأسد أو فإذا الأسد رابضا وإن قلنا إنها ظرف زمان كان على حذف مضاف لئلا يخبر الزمان عن الجثة نحو خرجت فإذا الأسد أي ففي الزمان حضور الأسد وما ادّعاه الزمخشري من إضمار فعل المفاجأة لم ينطق به ولا في موضع واحد ثم المفاجأة التي ادّعاها لا يدل المعنى على أنها تكون من الكلام السابق بل المعنى يدل على أن المفاجأة تكون من الكلام الذي فيه إذا تقول خرجت فإذا الأسد والمعنى ففاجأني الأسد وليس المعنى ففاجأت الأسد. وقد أوردنا القول في إذا الفجائية، و{هم} مبتدأ و{منها} متعلقان بيضحكون وجملة {يضحكون} خبرهم.
{وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها} الواو عاطفة و{ما} نافية و{نريهم} فعل وفاعل مستتر ومفعول به أول و{من} حرف جر زائد وآية مفعول به ثان لنريهم و{إلا} أداة حصر و{هي} مبتدأ و{أكبر} خبر و{من أختها} متعلقان بأكبر والجملة صفة لآية وسيأتي المزيد من بحث هذا الكلام في باب البلاغة.
{وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} الواو عاطفة و{أخذناهم} فعل وفاعل ومفعول به و{بالعذاب} متعلقان بأخذناهم ولعل واسمها وخبرها.
{وَقالوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ} الواو عاطفة و{قالوا} فعل وفاعل و{يا أيها} نداء تقدم إعرابه و{الساحر} بدل من أي أو نعت لها و{ادع} فعل أمر مبني على حذف حرف العلة و{لنا} متعلقان بادع و{ربك} مفعول به و{بما} متعلقان بادع وما يحتمل أن تكون موصولة وأن تكون مصدرية وجملة {عهد} صلة أو مؤولة بمصدر مجرور بالبناء و{عندك} ظرف متعلّق بعهد وإن واسمها و{لمهتدون} خبرها واللام المزحلقة.
{فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ} الفاء عاطفة على محذوف مقدّر أي فدعا موسى فلما كشفنا، ولما رابطة أو حينية و{كشفنا} فعل وفاعل و{عنهم} متعلقان بكشفنا و{العذاب} مفعول به و{إذا} فجائية تقدّم القول فيها مفصلا و{هم} مبتدأ وجملة {ينكثون} خبرها.
{وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قال يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ} الواو استئنافية أو عاطفة و{نادى فرعون} فعل وفاعل و{في قومه} متعلقان بنادى، وسيأتي سر هذا النداء والظرفية في باب البلاغة، وقال فعل ماض وفاعله مستتر تقديره هو والجملة تفسيرية و{منادى} مضاف إلى ياء المتكلم المحذوفة والهمزة للاستفهام التقريري وليس فعل ماض ناقص جامد و{لي} خبرها المقدم و{ملك مصر} اسمها المؤخر {وهذه} الواو إما حالية فالجملة نصب على الحال وإما عاطفة وهذه عطف على {ملك مصر} وعلى الأول تكون هذه مبتدأ و{الأنهار} بدل وجملة {تجري} خبر و{من تحتي} متعلقان بتجري، {أفلا} الهمزة للاستفهام والفاء عاطفة على مقدّر ولا نافية و{تبصرون} فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون.
{أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ} {أم} حرف عطف وهي منقطعة مقدّرة ببل والهمزة أي بل أنا خير فهي منقطعة لفظا متصلة معنى وقال الزمخشري والسيوطي: {أم} هذه متصلة لأن المعنى أفلا تبصرون أم تبصرون إلا أنه وضع قوله: {أنا خير منه} موضع {تبصرون} لأنهم إذا قالوا له أنت خير كانوا عنده بصراء وهذا من إنزال السبب منزلة المسبّب. واعترض أبو حيان على الزمخشري بأن المعادل لا يحذف بعد أم إلا إن كان بعدها لفظ لا نحو أتقول أم لا أي أم لا تقول أما حذفه بدون لا كما هنا فلا يجوز على أنه جاء حذف أم والمعادل وهو قليل ومنه قول الشاعر:
دعاني إليها القلب إني لأمره ** سميع فما أدري أرشد طلابها

يريد أم غي.
وقال أبو البقاء: {أم} هنا منقطعة في اللفظ الوقوع الجملة بعدها وهي في المعنى متصلة معادلة إذ المعنى أنا خير منه أم لا. وسيأتي مزيد من هذا البحث في باب الفوائد، و{أنا} مبتدأ و{خير} خبر و{من هذا} متعلقان بخير و{الذي} بدل من اسم الإشارة و{هو} مبتدأ و{مهين} خبر والجملة صلة {الذي}.
{وَلا يَكادُ يُبِينُ} لك في الواو أن تجعلها عاطفة فالجملة معطوفة على صلة الموصول ولك أن تجعلها مستأنفة فالجملة لا محل لها أيضا وأجازوا أن تكون حالية و{لا} نافية و{يكاد} فعل مضارع ناقص من أفعال المقاربة واسمها ضمير مستتر تقديره هو وجملة {يبين} خبر {يكاد} أي يظهر كلامه. {فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ} الفاء عاطفة ولولا حرف تحضيض بمعنى هلّا و{ألقي} فعل ماض مبني للمجهول و{عليه} متعلقان بألقي و{أسورة} نائب فاعل وهو جمع سوار و{من ذهب} صفة لأسورة.
{أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ} {أو} حرف عطف و{جاء} فعل ماض و{معه} ظرف متعلق بجاء و{الملائكة} فاعل و{مقترنين} حال أي متتابعين يشهدون بصدقه.
{فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمًا فاسِقِينَ} الفاء عاطفة واستخف فعل ماض أي استفز، وفي المختار: استفزه الخوف: استخفه. وفي المصباح: واستخف قومه: حملهم على الخفّة والجهل. و{قومه} مفعول به {فأطاعوه} الفاء عاطفة وأطاعوه فعل ماض وفاعل ومفعول به وإن واسمها وجملة {كانوا} خبرها وجملة إن تعليلية لا محل لها و{قوما} خبر {كانوا} و{فاسقين} صفة.
{فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ} الفاء عاطفة ولما حينية ظرفية أو رابطة و{آسفونا} فعل ماض وفاعل ومفعول به وهو منقول بالهمزة من أسف إذا غضب فعداه بالهمزة والمعنى فلما عملوا ما يوجب دالة الحلم ويثير الحفائظ، وجملة {انتقمنا} لا محل لها لأنها جواب لما و{منهم} متعلقان بانتقمنا، {فأغرقناهم} عطف على انتقمنا و{أجمعين} تأكيد للهاء.
{فَجَعَلْناهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ} الفاء عاطفة وجعلناهم فعل وفاعل ومفعول به أول و{سلفا} مفعول به ثان أي سابقين متقدمين إلى العذاب ليتعظ بهم غيرهم و{مثلا} عطف على {سلفا} وللآخرين صفة لمثلا.

.البلاغة:

1- في قوله: {وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها} كلام جامع مانع يعني أنهنّ موصوفات بالكبر لا يكدن يتفاوتن فيه، قال الزمخشري: وكذلك العادة في الأشياء التي تتلاقى في الفضل وتتفاوت منازلها فيه التفاوت اليسير أن تختلف آراء الناس في تفضيلها فيفضل بعضهم هذا وبعضهم ذاك فعلى ذلك بنى الناس كلامهم فقالوا أرأيت رجالا بعضهم أفضل من بعض وربما اختلفت آراء الرجل الواحد فيها فتارة يفضل هذا وتارة يفضل ذاك ومنه بيت الحماسة:
من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم ** مثل النجوم التي يسري بها الساري

وقد فاضلت الأنمارية بين الكلمة من بنيها ثم قالت لما أبصرت مراتبهم متدانية قليلة التفاوت: ثكلتهم إن كنت أعلم أيّهم أفضل هم كالحلقة المفرغة لا يدري أين طرفاها. فالوصف بالكبر مجاز وإن ذلك بالنسبة إلى الناظرين فيها.
2- المجاز أيضا: وفي قوله: {ونادى فرعون في قومه} مجاز مرسل علاقته المحلية فقد جعل قومه محلا لندائه وموقعا له والمعنى أنه أمر بالنداء في مجامعهم وأماكنهم كما أن المراد من نادى فيها فأسند النداء إليه كقولك قطع الأمير اللص إذا أمر بقطعه.

.الفوائد:

أم أيضا: قدّمنا في باب الإعراب لمحة عن أم وذكرنا في مواضع متقدمة من هذا الكتاب مباحث جليلة فيها وننقل هنا الفصل الممتع الذي عقده صاحب المغني بصددها مع تعليق مفيد عليه، قال ابن هشام: سمع حذف أم المتصلة ومعطوفها كقول الهذلي:
دعاني أيها القلب إني لأمره ** سميع فما أدري أرشد طلابها

تقديره أم غي، كذا قالوا، وفيه بحث كما مر،- أي في الألف المفردة من أن الهمزة هنا كهل فلا تحتاج إلى معادل- وأجاز بعضهم حذف معطوفها بدونها فقال في قوله تعالى: {أفلا تبصرون أم} إن الوقف هنا وإن التقدير أم تبصرون ثم يبتدئ {أنا خير} وهذا باطل إذ لم يسمع حذف معطوف بدون عاطفه وإنما المعطوف جملة {أنا خير} ووجه المعادلة بينهما وبين الجملة قبلها أن الأصل أم تبصرون ثم أقيمت الاسمية مقام الفعلية والسبب مقام المسبّب لأنهم إذا قالوا له: أنت خير كانوا عنده بصراء وهذا معنى كلام سيبويه. فإن قلت: فإنهم يقولون أتفعل هذا أم لا والأصل أم لا تفعل، قلت: إنما وقع الحذف بعد لا ولم يقع بعد العاطف وأحرف الجواب تحذف الجمل بعدها كثيرا وتقوم هي في اللفظ مقام تلك الجمل فكأن الجملة هنا مذكورة لوجود ما يغني عنها.
وعبارة سيبويه في الكتاب: هذا باب أم منقطعة وذلك قولك أعمرو عندك أم عندك زيد فهذا ليس بمنزلة أيّهما عندك، ألا ترى أنك لو قلت أيّهما عندك لم يستقم إلا على التكرير والتوكيد ويدلك على أن الآخر منقطع عن الأول قول الرجل إنها لا بل ثم يقول أم شاء فكما جاءت أم هنا بعد الخبر منقطعة كذلك تجيء بعد الاستفهام وذلك أنه حين قال: أعمرو عندك فقد ظن أنه عنده ثم أدركه مثل ذلك الظن في زيد بعد أن استغنى كلامه ثم قال ومثل ذلك: وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون أم أنا خير كأن فرعون قال أفلا تبصرون أم أنتم بصراء فقوله أم أنا خير من هذا بمنزلة أم أنتم بصراء لأنهم لو قالوا أنت خير منه كان بمنزلة قولهم نحن بصراء فكذلك أم أنا خير بمنزلة أم أنتم بصراء. فقد حكم سيبويه بأن أم منقطعة.

.[سورة الزخرف: الآيات 57- 62]:

{وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) وَقالوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرائِيلَ (59) وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (62)}.

.الإعراب:

{وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} كلام مستأنف مسوق لبيان نوع آخر من لجاجهم وإمعانهم في المكابرة، {ولما} ظرفية حينية أو رابطة و{ضرب} فعل ماض مبني للمجهول وابن مريم نائب فاعل و{مثلا} مفعول به ثان لأن {ضرب} ضمن معنى جعل ويجوز أن يعرب حالا أي ذكر ممثلا به و{إذا} فجائية تقدم القول فيها و{قومك} مبتدأ و{منه} متعلقان بيصدون وجملة {يصدون} خبر {قومك} وهو بكسر الصاد أي ترتفع لهم جلبة وضوضاء فرحا وجذلا وضحكا مما سمعوا، وستأتي القصة في باب الفوائد وقرئ {يصدون} بالضم من الصدود أي الإعراض وقيل هما لغتان.